أجرى اللقاء: علي الجمري (يونيو 2013)
في مارس 2011، واجهت البحرين أزمة في مجمع السلمانية الطبي، اذ اعتقل عشرات من الأطباء والعاملين في المستشفى الذين تعرضوا للتعذيب في أخطر أزمة إنسانية بعد اندلاع انتفاضة العام 2011. الدكتور نادر دواني هو استشاري طب الأطفال وحديثي الولادة، وقد اعتقل وعذب في الفترة بين أبريل وسبتمبر 2011، وكان معه هذا اللقاء الخاص:
متى اعتقلت، واين كنت انذاك؟
في فجر يوم الجمعة 1 أبريل 2011 أحاط رجال أمن كثيرون جدا منزلي في سار.لم اقدر ان احسبهم، أحاطوا بيتنا، وامتلأ المكان بسيارات حول السور الخارجي. أكثر من 40 شخص دخلوا علينا البيت بالاسلحة الرشاشة وبالمسدسات.بعضهم كان مقنعا، آخرون من دون قناع، بعضهم كان لابسا بدلات الجيش، بعضهم كان لابسا بدلات بلون اسود، ألوان مختلفة من البدلات والأقنعة و بعضهم كان باللباس المدني. جميعهم هجموا على البيت يريدون اعتقالي.
هل كانت لديهم مذكرة اعتقال او تفتيش؟
لم تكن لديهم أي مذكرة للتفتيش او الاعتقال، ومن ثم اخذوني بسيارتي وامروني بالجلوس في الخلف مع أحدهم، بينما كان شخص اخر يقود سيارتي. ومباشرة منذ دخولي في السيارة بدأ من كان بجنبي يضربني ويشتمني. ومن ثم وضعوا على رأسي غطاء. توقفت السيارة واخرجوني الى مكان قالوا انه للفحص الطبي.
قبل ذلك، انزلوني في مكان وجعلوني واقف معصوب العينين ومقيد اليدين للخلف وفي كل دقيقة وأخرى يمر أحدهم بالقرب مني ويشتمني ويضربني إما على رأسي أو ظهري أو يركلني في رجلي. استمر ذلك الى ما بعد أذان الصبح حتى سمعت صوت آهات اثنين من الأخوة وهم د. عبد الخالق العريبي والسيد مرهون الوداعي وكان صراخهما بسبب التعذيب.
ماذا حدث لك عندما اخذوك للفحص الطبي؟
كانت هناك ممرضة، سألتني اذا كانت لدي مشاكل طبية، وشرحت لها ان لدي السكري والضغط. قامت بقياس ضغط الدم، وبينما كانت تسألني وتفحصني كان هناك من يضربني. اجلسوني على الكرسي من أجل ان يقيسوا الضغط، وفي الوقت ذاته كانوا يضربونني على رأسي ويركلونني. كل ذلك وأنا معصب العينين ومقيد اليدين للإمام.
سألوني عن الادوية التي يجب ان أتناولها، واخبرتهم بها، فأحضروها في كيس، نقلوني الى مكان للتعذيب، وبقيت لمدة عشرة ايام من دون ان يسمحوا لي بتناول الدواء. كانوا عازمين على قتلي.
ماذا حدث لك بعد ذلك؟
هناك كان يوميا يأتون لي في الصباح، وثم الظهر، وثم الليل لضربي وانا واقف. في أول سبعة أيام كنت واقفا بصورة مستمرة، كانوا حينها يتركوني اجلس قليلا. ومن ثم توقف التعذيب فجأة في اليوم الثامن. سلموني الى شخص جاءوا به من مكان اخر، وكان عطوفا علي وكان شخصا من احدى القرى. وقال لي: “هل تعرف لماذا توقفوا عن تعذيبك؟” فقلت له: “لا.” قال لي لقد قتل بالأمس اثنان تحت التعذيب وهما علي صقر وزكريا العشيري، “والدنيا معفوسة عندهم، وجاء أمر بوقف التعذيب”. كان هذا اول يوم يسمحوا لي فيه بالجلوس والاستحمام.
في اليوم الثامن للاعتقال في التحقيقات الجنائية توقف الضرب، ولكن استمر شتم العائلة والمذهب. كان اكثر انواع الضرب الذي تعرضت له بالهوز وكان أكثر شيء على كتفي وعلى ظهري وعلى اسفل رجلي.
كانت هناك امرأة تعذبني في الايام السبعة الاولى، وكانت هي اقسى شخص يضربني ليليا. كان تأتي مخصوص لي من أجل ان تضربني ضربا مبرحا، لعنها الله. كانت تضربني اذا لم يعجبها ردي على الاسئلة، وكنت مصمد العينيين.كان المحقق يقول لها: “يا شيخة شوفي شغلك“. وبعد ذلك تبدأ بالضرب، وانا بعد ذلك اقع من الضرب او يرمى بي على الجدار أو ملقيا على الارض من شدة الضرب. لقد كانت تضربني اشد من الرجال الاخرين الذين كانوا يضربونني ايضا. كانت تحضر انواع مختلفة من الخشب لضربي، وكنت اسمع في اوقات صوت الخشب يتكسر على ظهري.
في اليوم العاشر من توقيفي كان اطول يوم للتحقيق معي من الظهر بعد الصلاة إلى الساعة العاشرة ليلا، وكان الكاتب الذي يكتب الافادات كان يكتب مايشاء. كان المحقق يسأله: “الى أي صفحة وصلت؟” وكان يجيب: “وصلت الى الصفحة الفلانية”، الى ان وصل الى الصفحة المئة والخمسين، يكتب على كيفه. بعدها امروني بان اوقع على المئة والخمسين صفحة وانا معصب ومقيد في ايدي، وقد وقعت من اجل ان اخلص نفسي من العذاب.
هل تعرف على ماذا وقعت؟
لا. لا أعرف. المئة والخمسين صفحة كتبت وانا معصوب العينيين ومقيد اليدين ولا أعرف ماذا كتبوا باسمي! أنا كنت اقول لهم في اليوم الرابع من الضرب اذا كانوا يضربوني من اجل ان اوقع على شيء فانا سأوقع لكي يتوقف التعذيب، ولكن حينها كانوا يريدون تعذيبي فقط وكانوا يريدون قتلي. ولذا عندما طلبوا ان اوقع على الاعترافات المزيفة في اليوم العاشر، وقعت.
ماذا بعد ذلك؟
في 11 ابريل 2011 نقلوني الى سجن الحوض الجاف، ولم يكن حينها يضربوني بعد أن قتلوا شخصين. استطعت ان ارى بعد ازالة التصميد من على عيني، وكما ازالوا القيد من على يدي. عندما دخلت الزنزانة لم يكن مسموحا لأحد أن يتكلم معي، وفي كذا مرة امروني بالوقوف. وفي احد الايام امروني بالوقوف من الصبح إلى الظهر. كان هذا اسهل من المكان السابق، وعندما رأوا انني استطيع الوقوف من دون ان اتشكى، امروني ان أقف على رجل واحدة، وكنت استخدم الرجلين كلما تركوني لوحدي.
احد الاسيويين العاملين في الأمن في سجن الحوض الجاف جاء لي و أمر بنزع كل ثيابي وقام بتصوير كل اجزاء جسمي. كان ظهري لونه اسود ومخطط من الضرب. كنت اتحاشى النظر الى جسدي ولم اكن اريد رؤية ظهري واكتافي ورجلاي. بعد ذلك رأى المعتقلين الاخرين ظهري وجسدي عندما نقلوني الى الزنزانة، وقد وصفوا لي مشاهد أقرفتهم. كان هذا هو اليوم الحادي عشر لاعتقالي.
هل كنت تستطيع الصلاة؟
اول يومين لم يسمحوا لي بالصلاة. في التحقيقات بالعدلية كانوا يسبوني ويقولون لي: “انت مو مسلم. انت كافر، انت شيعي كافر، انت رافضي، وشلك في الصلاة؟” في اول يومين لم يسمحوا لي حتى بالحمام، وانا مصاب بالسكر ولا استطيع ان الانتظار طويلا لأقضي حاجتي. وكنت مضطرا لأن أتَبَوَّل على نفسي عند الحاجة الى الحمام. كانت رائحتي لاتطاق حتى اليوم الثامن عندما سمحوا لي بالاستحمام ومن ثم اعطوني ثيابا غير نظيفة، ثياب ’كجرة‘ – سروال داخلي وتي شيرت مشقق. قلت: “على الاقل اريد ملابس نظيفة وغيرنجسة كي اصلي.”
في الحوض الجاف التعذيب كان اكثر شيء عبر الشتائم. في البداية أول شهر وشهرين كان السجانين يشتمون المذهب الشيعي باستمرار ويشتمون العائلة وبعدين خفوا شوي. وفي النهاية لما ودونا المحكمة في يونيو 2011 حسنوا معاملتهم قليلا.
هل تغير الوضع عندما بدأت لجنة بسيوني التحقيق فيما يجري؟
عندما بدأت لجنة بسيوني التحقيق تغيرت الاوضاع 180 درجة. بدأوا بفتح الزنازين قليلاً، وفي اخر ايامنا فتحوا الزنازين على بعض. وكنا نزور بعضنا البعض، وخلونا كل يوم نتحرك في ساحة ملحقة بالزنزانة لمدة ربع ساعة خارج الزنزانة.
أحد السجانين ضربني مرة قبل أخذي إلى العيادة، ضربني “بوكس” على ظهري ووقعت على الارض، حدث عندما سألني عن راتبي كطبيب الله يلعنهم، كان يحدث ذلك كثيراً عندما كانوا يعذبوننا في قسم التحقيقات بالعدلية أيام التعذيب الشديد؛ فكلما كانوا يسألوننا عن راتبنا، كنا نعلم بأننا سوف نتجرع بتعذيب شديد ان قلنا لهم راتبنا الحقيقى أو حتي اقل من ذلك. اخبرت لجنة بسيوني باسماء الذين عذبوني في الحوض الجاف وفي التحقيقات بالعدلية وفي القلعة، لانني كنت قد تعرفت على بعضهم حينها.
إلى متى اعتقلوك؟
الى 6 سبتمبر 2011 ، ففي هذا اليوم اخذونا الى المحكمة ولم يصدر حكم ضدنا وافرجوا عنا.
ماذا كانوا يريدون منك؟
في الايام الاولى كانوا يريدون قتلي على ما أعتقد، وانا قرأت الشهادتين عدة مرات من شدة التعذيب الذي لم يكن يتوقف. بعدها كانوا يريدون ان اعترف على اشياء مستحيلة، اول ايام كانوا يقولون اني كنت جاسوس لإيران لأنني عجمي ولأنيي عالجت ابن السفير الايراني وان انا عندي ارتباط بايران. قلت لهم انا اعالج ابناء الدبلوماسيين من الفلبيين والانجليز وغيرهم، فهل يعني انا جاسوس لهم لاني اعالج عيالهم؟ كما انني ابناء من العائلة الحاكمة، واعرف اسماء ابناء الملك الذين عالجتهم في القصر، وهو المحل الوحيد الذي اذهب اعالج خارج العيادة. فانا اعالج الجميع، وانا بحريني، واقدم خدماتي للجميع.
عندما كانوا يعذبوني في ادارة التحقيقات الجنائية بالعدلية نقلوني لمدة ثلاثة ايام للمخابرات في القلعة، وكنت في زنزانة انفرادية وكانت مرعبة وصغيرة، تقريبا 2 متر في متر ونصف المتر. كان هناك تعذيب كثير وكان هناك اطباء واشخاص أخرون يتم تعذيبهم باستمرار، وأكثر شي تعرضت له هناك تعذيب نفسي وتهديد بالتحرش الجنسي. كانوا يريدون قلع اظافري وجايبين المصمد وشيء على اظافري مركبينه قالوا: “ان لم تتكلم نقلع اظافرك وحدة وحدة“. وكانو يحضرون اغراش لكي يدخلونها من الخلف كل دقيقة والثانية، وكل دقيقة يضعون يدي على جهاز يكشف الكذب وكثير من هذه الاساليب.
الزنزانة كانت مرعبة، وكانوا يعذبون شباب ويأمرونهم بالركض وتقليد اصوات الحيوانات ويتركون الابواب مفتوحة لكي نسمع التعذيب. كانت الضوء علينا في الزنزانة من نوع قوي جدا. وكان هذا على جانب وكان حار جدا، وفي الجانب الاخر كان المبرد يدفع هواء باردا قارسا. وأنت لازم تجلس وهناك كان برد من صوب وحر من الصوب الثاني. وممنوع علي ان الف لاحمي نفسي.
هل شعرت ان حياتك ستنتهي اثناء الاعتقال؟
في اوقات كثيرة من الضرب الذي كانوا يضربوني كنت اغيب عن وعيي. احس روحي اني قاعد اروح محلات يمين ويسار وانا طاير. اوقات اشوف روحي في كوفي شوب وانا اعرف ان روحي غايبة عن وعيي. بعدين ما أشوف روحي الا مشوتيني وانا قايم، فبعدين اعرف ان هذا مال الضرب. يعني اعرف روحي ان هدفهم قتلي. أول مرة كانت في يوم 8 ابريل 2011 – اليوم الذي خلوني استجم وأعطوني كم ثانية اكلم الاهل واقول لهم اني لازلت حيا.
الأن وقد مضى عامان على ما مر بك، فهل لازالت تلك الذكريات المؤلمة معك؟
اوقات عندما نجلس مع الشباب والطواقم الطبية ونتذكر السوالف اشعر من داخلي انني كنت سأموت لولا رحمة ربي. لم يكن بيدنا اي شيء، ومن ناحية ثانية نفكر حاليا احنا مرينا بأيام عصيبة.
عندما خرجت من المعتقل جاء الناس يزورونا بأعداد كبيرة جدا، اسبوعين ثلاثة كل الصبح – الظهر، بالليل يزوروننا، – ما كنا نقدر نطلع من البيت من الزوار أول اسبوعين وثلاثة. انا تقريبا 5 الى 6 ايام لم ارى خارج المنزل بسبب كثرة الضيوف.كانت مجموعة من الشباب تفكر انه بعد الافراج سنهاجر من بلادنا، ولكن بعد ان خرجنا فاننا ماضون في خدمة وطننا واهلنا، والعار يلحق من عذبنا.
(ملاحظة ختامية: استأنف الدكتور نادر دواني عمله في عيادته الخاصة في نوفمبر 2011. وهو واحد من تسعة اشخاص من الطواقم الطبية ممن فصلوا لاسباب سياسية من عملهم من قبل وزارة الصحة في العام 2012. رغم كل مامر به من محنة والام، ورغم المضايقات المستمرة فان الدكتور نادر دواني يداوم في عيادته ويعالج مرضاه.)
Pingback: #صوت_اللؤلؤة| alialjamri | الاستشاري البحريني الدكتور نادر دواني يروي محنته في الاعتقال: كانوا عازمين على قتلي | مركز صوت اللؤلؤة
أجرى اللقاء: علي الجمري — يونيو 2013